قصة معقدة عن زوج يطلق زوجته للمرة الثالثة ويريد إرجاعها لعصمته مرة أخرى، يحاول أن يزوجها من شخص ما زواجًا صوريًا فيعرف حرمانية هذا الفعل ليرمي الكرة في ملعب طليقته، تبحث هي عن شخص ما لتتزوجه لتستطيع العودة لطليقها، ليس لأنها تحبه ولكن لأنه يهددها أنها لن ترى ابنها مرة أخرى، يقع في طريقها رجل يريد الزواج بأي طريقة وتمنعه أسباب ليست كلها مادية، وينخرطان في علاقة ليست غرامية بالكامل، ويدور الكون من حول مثلث الحب الشائك هذا، ونرى شخصيات أخرى بعلاقات معقدة أخرى.
مسلسل «قلبي ومفتاحه» بطولة آسر ياسين ومي عز الدين ومحمد دياب وأشرف عبد الباقي، من إخراج تامر محسن وتأليفه بالمشاركة مع مها الوزير، مسلسل جيد جداً في صنعته، الصورة جميلة ومتناسقة ومريحة تماماً لعين المشاهد، الاعتماد على التصوير في أماكن حقيقية كان نقطة قوة أضيفت للمسلسل، تناسق الألوان مع الإضاءة والخلفيات الموسيقية المستخدمة في المشاهد، تامر محسن له بصمة دافئة وحميمية ويمكنك تمييزها، بصمة تشي بالحب حتى لو كان يحكي قصة شريرة.
أنا إنجي، أم لطفلين ذكور، سبع وثلاث سنوات، انخرطتُ في مجتمع الأمهات مؤخراً، تمارين وكورسات وأشياء من هذا القبيل وخلافه، أرى يومياً شتى أنواع الأمهات، كل الأنواع تثير أعصابي ولكن هناك نوع محدد يثير أعصابي أكثر من سواه، صنف من الأمهات أتمنى لو أصرخ في وجوههم وأجذبهم من شعورهم ثم أجلس لأبكي بعد أن أفرغ شحنة الأدرينالين بالكامل، صنف يستفزني ويستنزفني، صنف يشعرني بالحزن والقهر، والخوف الشديد أن أصبح مثلهن دون أن أدري.
ماذا أتى بنا هنا؟ أنا أصلاً أكتب اليوم عن مسلسل «قلبي ومفتاحه» من أثار موضوع الأمهات هذا؟ يبدو أن الأمر يسيطر على تفكيري فعلاً، شيء عجيب!
في 2021 خرج تامر محسن بمسلسلة «لعبة نيوتن»، والذي كان من إخراجه وكتابته أيضاً بالمشاركة مع مها الوزير، وبعيداً عن الآراء النقدية عن المسلسل أتذكر جيداً الإفيه المتداول عن الشخصية الرئيسية للمسلسل، هَنَا التي كانت تلعب دورها منى زكي، كان اسمها الحركي على السوشيال ميديا مدام هنا نبع الغباء من فرط التصرفات الغبية التي كانت ترتكبها الشخصية، كل مصيبة أروع مما قبلها.
يفاجئنا تامر محسن في «قلبي ومفتاحه» بغباء أكثر، كل الشخصيات ترتكب حماقات تبدو وكأنها غير مبررة، تصرفات تبدو عشوائية يمكن تداركها بالقليل جداً من الكياسة، ولكن تندفع الشخصيات نحو غباءاتها بشكل طبيعي جداً وتلقائي كما يحدث في الحياة الحقيقية بالفعل، وتأتي شخصية محمد عزت الذي يقوم بدوره آسر ياسين لتكون درة تاج حماقات شخصيات المسلسل.
يخدعه صديقه وينصب عليه في مبلغ مالي كبير وينصحه خاله بالسير القانوني فيرفض ويخبره أن ربنا يسامحه، تصرخ فيه عميلة وتجبره على الوقوف في منتصف الطريق لتنزل من السيارة فيقف فعلاً، ثم تفتح الباب ليطير في حادث ويرفض أن تُصلح العميلة ما أفسدته، باب السيارة الجديدة التي أصلاً لم تكن السيارة التي يرغب فيها، والتي هي من فئة أقل من السيارة التي اتفق عليها مع البائع، البائع الذي لم يحتج سوى لثلاث جمل قصيرة ليقنعه بشرائها.
هذه العميلة بلا أي سابق معرفة تطلب منه الزواج فيقبل، ثم بعد الزواج مباشرة دون أن يمسها أصلاً تطلب منه الطلاق فيطلقها، يطلب منه شخص ما أن يعمل معه ويجبره على توقيع إيصال أمانة بمليون جنيه فيقبل، تعود العميلة التي تزوجها وطلقها وتطلب منه الزواج مرة أخرى فيقبل، يقضون نهاراً كاملاً معاً كأزواج، ثم تطلب منه تنفيذ الخطة التي رسمتها وهو يجلس على الفراش ضاماً ركبتيه لصدره، فيطلقها.
في مقال علمي منشور على الموقع الرسمي لإحدى المصحات النفسية في بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية، وآخر منشور على الموقع الرسمي لإحدى المصحات النفسية في لندن بالمملكة المتحدة، نجد أن أحد التأثيرات المحورية في شخصية البالغ الذي تربى مع أم مسيطرة هو عدم القدرة على إرساء حدود واضحة لنفسه لا يمكن للآخرين تخطيها، أيضاً المعاناة مع القلق الزائد والرغبة في نيل القبول من الآخرين عبر تبني تصرفات تخدم مصالحهم حتى لو كانت ضد مصلحة الشخص نفسه.
هل تتذكر بداية المقال؟ عندما أخبرتك أن هناك صنفاً معيناً من الأمهات يثير أعصابي أكثر من سواه؟ نسيت أن أخبرك أن هذا الصنف هو الأم المسيطرة، التي تجلس في التمرينات على طرف المقعد يعلو صوتها فوق صوت المدرب موجهة ابنها، الأم التي ترسل وابلاً من الرسائل يومياً على جروب الأمهات مستفسرة هي عن كل شيء يخص ابنها بدلاً من سؤاله، الأم التي لو طلبت منها حل مشكلة ما بين ابنك وابنها سوف تبدأ بالعويل أن ابنها مستحيل أن يخطئ، الأم التي تتوتر جداً قبل امتحانات الصف الأول الابتدائي وتبدأ في انتقاد المناهج والمدرسة والعالم، الأم التي ترسل ألف رسالة خلال إجازة نصف العام مستفسرة عن درجات ابنها في اختبارات نصف العام للصف الأول الابتدائي، وعندما تخرج النتيجة التي هي بالألوان وليس الدرجات تملأ الدنيا صراخاً لأنها تريد أن تعرف إلى كم درجة يشير اللون الأخضر إذا كان يأتي في المرتبة الثانية بعد الأزرق، وإذا حصل ابنها على الأزرق تملأ الدنيا صراخاً لأنها تريد أن تعرف كم علامة بالضبط حصل عليها ابنها لأن طيف الأزرق واسع طبعاً.
حسناً، لم تكن تلك فقرة كاملة أتحدث فيها عن أحزاني بشأن جروبات الماميز، بل قصدت أن أقول أن الفنانة سما إبراهيم والتي قامت بدور أم آسر ياسين هي نفس هذه الأم في الفقرة السابقة، ورغم أنها صاحبة أقل مشاهد في الحلقات، ورغم أن ظهورها على الشاشة دوماً مصحوب بكلمة يا حبيبي وبتون الصوت الهادئ، إلا أنها هي المحرك الرئيس للأحداث، وهي من دفعت شخصية محمد عزت لكل الحماقات التي ارتكبها دون أن تعرف حرفاً واحداً عنها.
مي عز الدين وآسر ياسين في مشهد من مسلسل «قلبي ومفتاحه»
رواد السوشيال ميديا حائرون يتساءلون هل محمد عزت شخص مؤدب جداً أم هو عبيط قليلاً؟ يعيش بقوة الدفع رغم أنه يتمتع بذكاء كبير– خريج علوم بايوفيزيكس – واحترام كبير أيضاً – يرفض في أول حلقات المسلسل علاقة محرمة – إذن لماذا يحبس نفسه في شخصية جعلوه فانجعل؟
في الحقيقة، فتصرفات شخصية عزت مبررة جداً نظراً لشخصية أمه، أمه التي لا تسمعه ولا تراه، التي تعيش مع نسخة مثالية وهمية عن ابنها الذي ربته على معاييرها الخاصة، فكبر ليصير رجلاً يحتاج للزاوج وأمه لا تستوعب ذلك، يقابلها بفتاة يرغبها فتمسح بكرامتها أرض الميريلاند ولا يشعر هذا الابن أن هذا الموقف موجه ضده أصلاً ولا يتخذ أي موقف في مواجهة أمه، كل ما يفعله أنه يتنهد عندما تخبره أنه «مش عشان مستعجلين ناخد أي حاجة وسيبني أنا أنقيلك»، لا ترى أن ابنها اقترب من نهاية الكهولة وخالط شعره الرمادي، هي لا ترى سوى الطفل الذي يقف على المسرح في حفل المدرسة وهي تجلس في أول صف تراقب بعيني صقر درة استقامة أنسجة قميصه وزواية البابيون على رقبته.
لا ترى تردي أحوال ابنها المادية وتعيش في أوهام الابن المثالي صاحب شركة المستلزمات الطبية، لا ترى تردي أحوال ابنها النفسية وهو يرزح تحت ضغط الذنب فيجري أبحاثه ليعرف كيف يمكنه استخراج معاشاً شهرياً لأمه إذا مات هو في حادث، لا ترى ابنها الذي يختفي أربعة أيام وتعيش وهم أنه الشاب الغني الذي سافر ليستمتع بجو الجونة مع أصدقائه، أصدقائه الذين لا يملكهم أصلاً، هو صديق وحيد الذي نجح في الحصول عليه على مدار عمره.
الحياة مع أم مسيطرة لا ترى سوى نفسها وأحلامها لابنها حياة صعبة ومدمرة، تجعل حياة الأبناء كما رأيت في شخصية محمد عزت، هو ليس شخص مؤدب فقط، ليس مجرد رجل محترم، هو ابن مقهور تماماً لا يرى أنه مقهور أصلاً، وهنا تتجلى جودة رسم الشخصية، هذا هو الواقع فعلاً، الابن المقهور للأم المسيطرة لا يرى شيئاً غريباً فيما يحدث، يشعر أن هذا هو الحب الخالص، أو كما قال لميار أنه يشعر دوماً أنه خذل أمه لأنها تشعر دوماً أنه أعظم إنجازاتها، ولذلك يترك ميار نفسها تحدد مسار العلاقة، كيف تبدأ ومتى تتم كعلاقة فعلاً وكيف تنتهي، لا يشعر بالاستغلال، لا يشعر أنه مفعول به، لأن هذا هو مفهوم الحب الذي يعرفه، أن يحبك أحدهم يعني أن يأخذ هو كل القرارات وأنت عليك أن تمتن.
شخصية عزت لا تمثل شخصية الجوود بوي الذي تتمناه الفتيات جميعاً، شخصية عزت شخصية حزينة تماماً، تريك بعينيك كيف يمكن للحب أن يدمر الإنسان، وكيف يمكن للأم أن تصنع مسخاً تفخر به، ولذلك أرجوك عزيزتي الأم، كفي عن الصراخ قليلاً واستمعي لطفلك، لأنني مصابة بصداع مزمن أيها المزعجة المختلة.
# دراما رمضان # رمضان 2025 # مسلسلات رمضان # قلبي ومفتاحه # آسر ياسين # مي عز الدين